تحل، اليوم ، الذكرى الثالثة والأربعون لرحيل مفدي زكرياء، شاعر الثورة الجزائرية و مؤلّف النشيد الوطني “قسما"
ولد صاحب “إلياذة الجزائر” في 12 جويلية 1908 في بني يزقن، واسمه الحقيقي الشيخ زكرياء بن سليمان بن يحيى بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى وأخذ “مفدي” هذا اللقب من طرف زميل البعثة الميزانية والدراسة الفرقد سليمان بوجناح، كما اشتهر بتوقيع أشعاره بـ “ابن تومرت
كتب مفدي زكريا النشيد الوطني “قسما” خلال يومين فقط في سجن “برباروس” يوم 25 أفريل 1955 والذي لحّنه أولا محمد طوري ثم التونسي محمد تريكي، ليستقر اللحن عند المصري محمد فوزي و الذي قدمه بشكله الحالي سنة 1956
مفدي زكريا إلى جانب كونه شاعر الثورة الجزائرية فهو مناضل في حزب جبهة التحرير الوطني و نجم شمال إفريقيا . عرف سجون الاحتلال الفرنسي سنوات1937 و 1945 و 1946 و 1955 فرّ من السجن في فيفري 1959 و غادر الى تونس و المغرب للعلاج من آثار التعذيب .
عرف مفدي بكونه شاعر و مثقف لا يجامل و قد سببت له هذه الخصلة متاعب مع نظام بومدين خاصة حتى انه رحل في المنفى بتونس عام 1977 قبل أن ينقل جثمانه ليدفن بمسقط رأسه ببني يزقن .
و مما يروى عن علاقة مفدي زكريا ببومدين أن الرئيس استدعاه ذات يوم و كان يعرف جيدا انه شاعر لا يجامل و طلب منه ان تكتب ديوانا شعريا حول الثورة الزراعية حتى يؤمن بها الشعب الجزائري أكثر، لكن مفدي رفض و قال للرئيس الراحل" يؤسفني أن أقول لسيادتكم المحترمة بأنني لا أستطيع أن ألبي رغبتك بسبب أنني من المعارضين للنظام الاشتراكي” فنصحه مولود قاسم نايت بلقاسم بالمغادرة إلى تونس و فعل.
و يروي أيضا ازراج عمر في كتابه قصة قصيدة أن مفدي زكريا التقى بومدين على هامش مؤتمر الأدباء العرب عام 1975 و سأله ماذا تفعل الآن فأجاب مفدي انه كتاب قصيدة جديدة و سيلقيها في هذا الحدث فسأله الرئيس عن عنوانه فأجاب مفدي " بنت العشرين" عندها قال بومدين " ولكن الجزائر قد تزوّجت من زمان ولها رجلها" و يضيف ازراج في شهادته أن بومدين كان غاضبا من مفدي لأنه مدح الرئيس بورقيبة و ملك المغرب الحسن الثاني و لم يمدحه.
و قد ربط البعض بين موقف بومدين من مفدي بما كان يكنه للرئيس بن بلة من احترام فقد وجه له رسالة مطولة في 17 ماي 1965 يشتكي له من المضايقات التي كان يتعرض لها و بطانة السوء التي كانت تحيط بالرئيس و التي عزلته عن محيطه حيث جاء في الرسالة المطولة من مفدي للرئيس بن بلة " خاطبك بالابن، لأنّني أحبّك كأحد أبنائي، وأتوسّم فيك الخير، لما أعهده فيك من نزاهة، وإنصاف، واستعداد لقبول كلمة الحقّ مهما كانت مرّة وأليمة، ومهما حاول الانتهازيّون والوصوليّون تضليلك وتغريرك استغلالا لطيبة قلبك، وإمعانا في تحطيمك بإبعاد المخلصين عنك، وعزلك عن المناضلين الصادقين، وإحاطتك بالعفونات، لتعفين نظامك، والتعجيل به إلى المنحدر الرهيب.ابني العزيز، قدمت الجزائر يوم 4 ماي هذا، بعدما قضيت شهرين بتونس في إعداد مشروعي (القوميّ الوحدويّ) “تقويم المغرب العربيّ الكبير” الذي هو الآن تحت الطبع. وقد كانت حيرتي عظيمة وأليمة حين وجدت نفسي في عقر داري محاطا بالألغام، محاصرا مطاردا في كلّ مكان، بأسراب من مختلف مصالح الشرطة، تتعقّبني أينما حللت، وتضايقني في مكتبي، في داري، في الشارع، في المطعم، في المقهى، وتلاحقني بسياراتها السوداء بطريقة استفزازيّة، كأنّي من أخطر المجرمين. ولاحظت مع ذلك جوّا خانقا يحيط بي، من دعايات مغرضة كاذبة (موجهة طبعا)، يقوم بها أغرار المخبرين، وأطفال السياسة الارتزاقيّة، فحواها: أنّي تنكّرت لجنسيتي الجزائريّة، واعتنقت الجنسيّة التونسيّة، وأنّني عين من عيون بورقيبة على الجزائريين، وعلى بعض النفايات المأجورة من خصوم بورقيبة الذين اتّخذوا الجزائر وكرا للدسّ والكيد والمناورات، وبثّ التفرقة بين الإخوان، وتسميم جوّ العلاقات بين الأشقّاء، والوشاية لحساب الشرطة بالأحرار المخلصين، والعمل في الكواليس على الإثراء الفاحش في المشاريع التي يموّلها الأجانب بالجزائر بالشركة مع بعض المسؤولين الذين انتزعوا ثقتكم الغالية بطريق النصب والتمويه.وإنّه لمن المؤلم حقّا، والمخجل في آن واحد أن أجد نفسي في هذا الجوّ البوليسيّ الإرهابيّ بعد ثلاث سنوات من الاستقلال، وأن يتركني أتذكّر أيّام الإرهاب التي عشتها قبل اعتقالي أيّام الثورة، وكيف كنت أعيش في الكتمان، وأتحايل على البوليس، لأنجو بحريتي وحياتي؛ ويذكّرني فترة فراري من السجن، والأيّام المرعبة التي عشتها متنكّرا حتّى فزت بالنجاة للمغرب الشقيق وسط صناديق الطماطم والبطاطس. هذا الجحود، وهذا الظلم الصريح، في بلاد تفانيت في حبّها، وتغنّيت طوال حياتي بأمجادها، ورفعت رأسها بأناشيدي، وأغاريدي، ومحاضراتي، وكفاحي القلمي، وتوّجتها في العالمين...."
نعيمة.م