الحراك الإخباري - سيدي العلاوي...قطب التصوف وبحر العلوم في القرنين 19 و20
إعلان
إعلان

سيدي العلاوي...قطب التصوف وبحر العلوم في القرنين 19 و20

منذ 4 سنوات|الأخبار

نقف اليوم ضمن سلسلة أقطاب الصوفية الوطنية الجهادية العلمية في الجزائر مع علم كبير من أعلام الأمة الإسلامية، هو سيدي الشيخ أبو العباس أحمد بن مصطفى بن عليوة المعروف بالعلاوي المستغانمي، مولدا ونشأة، حيث ولد بمستغانم عام 1869 وتوفي بها سنة 1934.

تعلم مبادئ الكتابة وسور من القرآن على يد والده الحاج مصطفى، الذي كان معلما للقرآن الكريم، فانتهى به الحفظ إلى سورة الرحمن، ثم اضطر إلى ممارسة التجارة ليعول عائلته خاصة بعد وفاة والده، وهو في سن مبكرة، إلا أن ذلك لم يمنعه من الانكباب على ملازمة الدروس ليلا رفقة جماعة من الطلبة في الفقه، والتوحيد، والتفسير على يد جماعة من مشايخ المدينة، إلى أن التقى بأستاذه الروحي الشيخ سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي، فلازمه إلى أن وافته المنية سنة 1909، وكان قد قضى في صحبته نحو خمس عشرة سنة، فبويع بعده بالخلافة على رأس الطريقة الدرقاوية بمستغانم ونواحيها، حوالي عام 1909، وخلال بداية العقد الثاني من القرن العشرين، أسس الطريقة العلاوية، معلنا بذلك عن ميلاد طريقة روحية جديدة. فعمل خلال هذا الإطار إلى إبراز الزاوية في شكل يتلاءم ومستجدات العصر الحديث مع الحفاظ على دورها التربوي الروحي، فسارع إلى بناء زاوية جديدة تجمع جملة من المرافق من أجل تبليغ رسالته التربوية والاجتماعية كأقسام الدراسة والمطبعة والمخبزة، واستقطب إليها نخبة من العلماء في التفسير، والحديث، وأحكام الفقه، واللغة العربية. وقد أثري الشيخ الحياة الفكرية بالجزائر، والوطن العربي والإسلامي عموما، بما خلف من آثار أدبية وأعمال جليلة اجتماعية ووطنية، واكبت نهضة الأمة الجزائرية في تلك الفترة.

 
المجال الروحي

نستطيع حصر أعمال الشيخ العلاوي الروحية في تربية المريدين، وتلقين الأذكار، فتخرج على يده عشرات بل مئات من العارفين الذين حملوا رسالته إلى المغرب العربي والإسلامي، وحتى إلى البلاد الأوروبية، فتمكن في فترة وجيزة من إنشاء عدد من الزوايا في الجزائر، والمغرب الأقصى، وتونس، لبث الأخلاق المحمدية والتربية الروحية بين أفراد المجتمع، وتحسيسهم بأهمية القيم الإنسانية، وهي المحور الذي تدور عليه مقاصد الشريعة الإسلامية، وتوجيه الخلق إلى وجهة الحق، وإسداء النصح إلى كل مسلم، إضافة إلى تبليغ الرسالة المحمدية إلى غير المسلمين من أوروبيين وأفارقة.

الأعمال الفكرية

أما أعماله الفكرية فهي تنحصر في دائرتين : المؤلفات و المقالات الصحفية، وهي مؤلفات عديدة في التصوف، والفقه، والتفسير، والشروح، والنقد، والفلسفة، والفلك، ويدخل ضمن هذه الدائرة الرسائل والردود.

والمقالات الصحفية نشرت بكاملها على صفحات جريدتي لسان الدين 1923 والبلاغ الجزائري 1926/1934 (تغيرت إدارة جريدة البلاغ وأصبحت غير تابعة للزاوية بمستغانم بعد وفاة الشيخ) وهما جريدتان أسسهما لتكونا منبرا يعرب فيهما عن أفكاره، وإصلاحه الديني والاجتماعي، يشاركه في ذلك خيرة علماء القطر الجزائري، والوطن العربي.

تناولت تلك المقالات في مجملها حالة الأمة الجزائرية خصوصا، والإسلامية عموما، محللة داء الأمة، واصفة الدواء الناجع لها، وعالجت أهم القضايا والمشاكل العقائدية، والاجتماعية، وحتى السياسية منها، والتي كانت تشغل الرأي العام آنذاك، ولم تتوان في فضح مخططات المبشرين، والمتفرنجين من دعاة الاندماج، والمباركين لسياسة فرنسا الاستعمارية في طمس هوية وشخصية الأمة الجزائرية، كما تناولت قضايا المرأة، والطفل، والأسرة، والتعليم، والإدارة، والقضاء، ومسائل أخرى في العبادات والمعاملات، إلى جانب دفاع الشيخ العلاوي عن التصوف، باعتباره يعتمد على الإحسان: الركن الثالث من أركان الدين الذي لا يكمل إسلام المرء إلا به.

 
الجانب الوطني عند الشيخ أحمد العلاوي

إذا كان الشيخ العلاوي عرف كرجل تصوف بالدرجة الأولى، وأنه حمل على عاتقه مسؤولية التربية والإرشاد وتوجيه الخلق إلى ما يصحح رابطتهم مع الله، فإن هذا لم يمنعه من أن تكون له مواقف وطنية بحتة أعربت بصدق عن غيرته وحبه لهذا الوطن، وإذا تكلمنا عن وطنية الشيخ العلاوي، فليست بالضرورة الحديث عن مواقفه المعادية للاستعمار وأذنابه، فهناك مظاهر أخرى كانت تشوه هذا الوطن، عمل على محاربتها، وفضح أصحابها، كمظاهر الفساد الأخلاقي، والإداري، والسياسي، والتزمت الديني، وظهور تيارات التغريب والتفرنج في المجتمع الجزائري، والعصبيات الجهوية التي كادت تشتت الأمة وتفشلها وتذهب بريحها، كما حارب الأعمال التبشيرية، والتي كانت تنشطها جمعيات الآباء البيض بشمالي إفريقيا، خصوصا بالجزائر، كما حارب فكرة التجنيس، والاندماج مع الأمة الفرنسية، وكان يجري اتصالات عديدة مع المخلصين من أبناء هذا الوطن، وغيرهم من البلاد العربية والإسلامية.

و تبرز مواقف الشيخ واضحة من خلال مقالاته الصحفية في جريدتيه لسان الدين، والبلاغ الجزائري، فقد تناولت بكل شجاعة مظاهر الآفات الاجتماعية، ومسألة الاندماج، والتجنيس، والتبشير، ورفضتها جملة وتفصيلا، يقول في إحدى مقالاته مبينا رفضه لفكرة الاندماج :"أما من أراد أن يزحزح أمة برمتها، ليظهرها في صبغة غير صبغتها، فإنه محتاج إلى صراخ وعويل ملئ الفضاء".

 المجال الثقافي والاجتماعي

كان الشيخ العلاوي يرى أن الزاوية ليست مكانا للذكر والتعبد، ينزوي فيها المريد لينقطع عن العالم، بل هي مدرسة روحية وتثقيفية في آن واحد، يجب أن تتوفر فيها المرافق العلمية، لتساهم في تربية الفرد، وتعليمه، وسواء كان كبيرا أو صغيرا، وكان يحث أتباعه في كل فرصة سانحة على أن يجعلوا من زواياهم معاهد للإشعاع العلمي، مما جعله يخصص في كل زاوية غرفا للدراسة، ولعابري السبيل، وساهم – رضي الله عنه- في تأسيس بعض المدارس، كمدرسة مستغانم، وغليزان، وتلمسان، والجزائر، واهتم كذلك بالأعمال الخيرية، وأسس لذلك جمعيات لعبت دورا في تربية النشء وتعليمه، والتكفل باليتامى والمساكين، وإعطاؤهم بعض العلوم الضرورية، والحرف، كالطباعة، والميكانيكا، ومن هذه الجمعيات:”جمعية السلام، وكان مقرها بالجزائر العاصمة، تكفلت خاصة باليتامى وأبناء الفقراء، وحملت على عاتقها تربيتهم وتحسين شؤونهم، وتلقينهم المبادئ الدينية، والأخلاق الإسلامية، وهناك جمعيات أخرى أسسها لنفس الغرض.

كتب الشيخ العلاوي

غطت آثار الرجل العديد من مجالات العلوم ذات الصلة بالشريعة الإسلامية من فقه وتوحيد وتصوف ولغة.

وأبرزها "الرسالة العلاوية في البعض من المسائل الشرعية"، تقع في ألف بيت يحتوي على أهم الأحكام الشرعية، من توحيد وعبادات، وأحكام الصيام والحج والزكاة، وغيرها من الفصول المهمة التي لا يستغني عنها مسلم حريص على معرفة أصول دينه، وختمها بكتاب التصوف 132 بيتا، حلل فيها مذهب التصوف تحليل العارف المتمكن، وغاص فيه غوص العالم المتبحر، واستخرج من أعماق بحره اللآ لئ والدرر تأخذ بالأبصار، وتستولي على القلوب.

"مبادئ التأييد في بعض ما يحتاج إليه المريد"، كتاب نفيس وضعه الأستاذ لتعليم المبادئ الضرورية من أحكام العبادات، بأسلوب بسيط، وطريقة حديثة تساعد المبتدئين والمريدين على الفهم والتحصيل، كتاب لا يستغني عنه الناشئ و المريد والمسلم المتطلع إلى المعرفة الفقهية والأصول الشرعية التي تعصم العبادات والاعتقادات من الأخطاء والأهواء.

"قواعد الإسلام بالفرنسية"، كتاب خاص بالمسلمين الذين يحسنون اللغة الفرنسية ويجهلون اللغة العربية، يبين أداء هذه الفريضة على أحسن كيفية، مع الرسوم المختلفة التي تسهل معرفة أهم الواجبات والفضائل في الصلاة حتى تكون مقبولة عند الله والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

"رسالة الناصر معروف في الذب عن مجد التصوف" نشرت أول الأمر في أعداد من صحيفة البلاغ الجزائري بإمضاء الناصر معروف بقلم الإمام المرشد الشيخ أحمد بن المصطفى العلاوي، فقام الشيخ محمد بن الهاشمي التلمساني بجمع تلك الفصول وطبعها في رسالة مستقلة وذيلها بتقاريظ العلماء الأجلة في المشرق والمغرب انتصارا للحق، وقياما بواجب التعاون على البر والتقوى.

"القول المقبول فيما تتوصل إليه العقول"، هي الرسالة الرابعة والعشرون من رسائل الأستاذ المنشورة في كتاب أعذب المناهل، وتقع الرسالة في ثلاثة أقسام يجب على المكلف الاعتناء بها، وخاتمة قصيرة.

"القول المعتمد في مشروعية الذكر بالاسم المفرد"، جوهرة أخرى من جواهر سيدي العلاوي جادت بها قريحته من فيض العلوم الربانية نشرها في البلاغ الجزائري عدد 69,70,71 جمعها الشيخ محمد بن الهاشمي التلمساني وطبعها مستقلة مضيفا إليها جملة من تقاريض علماء القرويين وغيرهم من ذوي المكانة العلمية.

"أعذب المناهل في الأجوبة والرسائل"، جمعه الشيخ محمد الغماري، يتضمن الكتاب مجموعة من الأجوبة والرسائل، للشيخ العارف أحمد بن مصطفى العلاوي رحمه الله، ويحتوي الكتاب على 93 سؤالا وجوابا و37 رسالة مع وصية الشيخ ومناجاته، تعالج هذه الأجوبة والرسائل أهم مسائل الدين، وأدق مشكلات العقيدة على ضوء الآيات القرآنية والسنة النبوية، بالإضافة إلى المواضيع الأخلاقية والصوفية التي عالجها بأسلوبه المحكم وفكره الثاقب.

"رسالة القول المعروف في الرد على من أنكر التصوف"، وهي رسالة لم تزل كوكبا ذريا تهدي الحائرين بنورها الوهاج، وعباراتها الشافية، وبراهينها الدامغة في تحقيق مذهب التصوف والرد على منكريه.

" الديوان" في التصوف والشعر الصوفي، وهو مجموعة من القصائد الشعرية في التصوف والأخلاق تدور في معظمها حول التغني بجمال الحضرة الإلهية والحضرة المحمدية، كما تعبر عن المعاني المتداولة لدى السادة الصوفية، ووصف أحوالهم ومقاماتهم.

أما " البحر المسجور في تفسير القرآن بمحض النور (جزآن)"، فهو تفسير نفيس لم يجد الزمان بمثله إلا لخواص الأمة المحمدية، تناول فيه سيدي العلاوي بقلمه الفياض تفسير القرآن العظيم واتبع فيه منهاجا فريدا لم يسلكه سابق ولا لاحق، فقد فسر الآية على أربعة أوجه (ولكل وجهة هو موليها) فقد أتى فيه بالعجب العجاب، ولكن المنية عجلت به فتوقف المدد عند قوله تعالى : (ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد).

 

أما "الأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية" فقد طبعته جمعية أحباب الإسلام، بباريس باللغتين العربية والفرنسية (1984) وهو مجموعة أبحاث جادت بها قريحة سيدي العلاوي في أوقات مختلفة، ليأخذ منها المريد بقدر الاستعداد وهي خلاصة آرائه في حقيقة الإنسان، ووظيفته في المجتمع الذي يعيش فيه، وافتقار المجتمع الإنساني إلى السلطة التي تسوسه، وكون التشريعات الوضعية المتغيرة لا تحل محل الشرائع الإلهية الثابتة الحقائق، وخلوها من الأغراض الشخصية التي لا تنفك عنها تشريعات البشر، لكون العقل يتطرقه الخطأ كغيره من المدركات، وأن الفلسفة الصحيحة لا تنفي وجود الغاية لهذا العالم لأن التدين غريزة البشر، والإنسان العصري أحوج إلى التدين من الإنسان الغابر.

"مظهر البينات في التمهيد بالمقدمات"، وهي مقدمة مهد بها كتابه الأجوبة العشرة قدمت تحت هذا العنوان، يتضمن الكتاب مقدمة مستفيضة في خمسة وعشرين فصلا، تناول فيها المؤلف أهم مسألة تشغل العالم أجمع، وهي ضرورة الشرائع الإلهية لبني البشر، وان الإنسان لابد له من دين يتضمن سعادة الدارين، ومركزه الأهم التوحيد، ثم الانقياد فيما أمر ونهى وأراد حسبما تتوقف عليه ما يوافق الحاضر. وفيها رد على الفلاسفة والدهرين الذين ضل سعيهم في العلم الإلهي بسبب استخدام العقل في ما وراء طوره، وفيها دعوة أوروبا العظمى إلى الإيمان بالقرآن الذي يلائم مدنيتها الحاضرة، والكتاب جدير بالدراسة.

إضافة إلى مؤلفات غزيرة لاي سع المقام لحصرها كاملة مثل: "المواد الغيثية الناشئة عن الحكم الغوثية (جزآن)"، "صاحب الحكم الغوثية: أبو مدين شعيب وشارحها:أحمد ابن مصطفى العلاوي"، "المنح القدوسية في شرح المرشد المعين بطريق الصوفية"، "النور الضاوي في حكم ومناجاة الشيخ العلاوي"، "دوحة الأسرار في معنى الصلاة على النبي المختار"، "نور الأثمد في سنة وضع اليد على اليد في الصلاة"، "معراج السالكين ونهاية الواصلين"، "منهاج التصوف والتعرف إلى حقيقة التصوف".
تاريخ Oct 5, 2020