إحباط إدخال أكثر من 26 قنطاراً من الكيف عبر الحدود مع المغرب
أخبار
2025-12-10

بين جانفي 2025 حتى نوفمبر 2025 وقعت عدة أحداث تركت ضجيجا إعلاميا ملفتا، سواء على مستوى الإعلام العربي، أو الإعلام الغربي، واستخلصت تحليلات وسائل الإعلام واستشرافاتها، أن هناك تنافسا بين موسكو وواشنطن على تعزيز العلاقات مع الجزائر لاسيما في المجال العسكري، وهو تنافس يضع الجزائر في موقع تفاوض قوي يحتاج الحكمة والدبلوماسية لإدارته.
في النصف الثاني من شهر نوفمبر 2025، تحدثت وسائل إعلام عربية وغربية عن تسليم روسيا مقاتلات من الجيل الخامس (سو-57) للجزائر، وطرحت تساؤلات حول ما إذا كانت موسكو تعمل على عرقلة سعي الولايات المتحدة لبناء علاقات عسكرية مع الجزائر في خضم الحديث عن فتور علاقات موسكو السياسية مع الجزائر.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الستة الأخيرة (2020-2025) أي خلال ولاية الرئيس عبد المجيد تبون قد كثفت زيارات مسؤوليها العسكريين للجزائر، توجت بالتوقيع على "مذكرة تفاهم للتعاون العسكري" بتاريخ 22 جانفي 2025، وهي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين، وصفها سفير الجزائر بواشنطن صبري بوقادوم في تصريحات له شهر نوفمبر 2025 بـ "غير المسبوقة".
وخلص بعض المحللين العسكريين والسياسيين إلى أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة لضم الجزائر للمحور الأطلسي مستغلة ما سوّق إعلاميا "بسوء التفاهم" بين بين موسكو والجزائر. كما شرحت ذلك في مقال سابق بعنون "خفايا"صناعة السلام بين الجزائر والمغرب" أو الأهداف الأمريكية الخفية في المغرب العربي: من "ستيوارت إيزنستات" إلى "ستيف ويتكوف"، المنشور في الحراك الإخباري بتاريخ 25 نوفمبر 2025.
ويبدو أن موسكو قرأت الموقف قراءة جيدة فعجلت بتمتين العلاقات العسكرية مع الجزائر معتبرة الخلافات السياسية ظرفية مقارنة بتاريخ وتميز العلاقات معها، لاسيما العلاقات العسكرية منها، وهو ما تجلى في تبادل الزيارات العسكرية الرفيعة بين روسيا والجزائر
وصولا إلى الحديث الإعلامي عن تزويد روسيا الجزائر بمقاتلات سو-57 من الجيل الخامس، ذات تكنولوجية جد متطورة.
وليس مستبعدا أن زيارة رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو إلى الجزائر يومي 2-3 ديسمبر 2025، وهو الحليف الإستراتيجي الكبير لروسيا، يدخل ضمن سياق "تمتين القطب الشرقي لعلاقاته مع حليف تاريخي هو الجزائر"، وهو ما يستشف من خلال تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس بيلاروسيا لوكاشينكو، ورسم أجندة تفعيل العلاقات بين البلدين لاسيما اجتماع اللجنة المشتركة قريبا.
وبيلاروسيا هي ذراع أيمن لروسيا حسب المحللين الغربيين، وهي التي توسطت في الأزمة بين موسكو وقائد قوات فاغنر بعد محاولة التمرد على موسكو، وتم استضافة رئيس فاغنر وجنوده في ثكنات ببيلاروسيا من أجل تهدئة الوضع وامتصاص الأزمة.
التعاون العسكري بين أمريكا والجزائر : عامل مستفز ومسرّع
بعد ثلاثة أسابيع من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة لولاية ثانية شهر يناير 2025، قام قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) مايكل لانغلي بزيارة للجزائر يوم 22 يناير 2025 تعد الثالثة من نوعها، وقد حظي باستقبال من طرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حينها.
وتطرقت المحادثات بين الطرفين إلى تعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين وتبادل وجهات النظر حول القضايا الأمنية الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، عقب التوقيع على مذكرة التفاهم للتعاون العسكري، وأشاد الطرفان بالديناميكية الإيجابية التي تشهدها الشراكة الجزائرية-الأمريكية في مجالات الدفاع والأمن.
وقد أثارت مذكرة التفاهم هذه العديد من التساؤلات على المستوى الإعلامي العربي والغربي، أهمها: هل بدأت الجزائر تبتعد عن حليفها التاريخي والاستراتيجي روسيا على خلفية تباين رؤى البلدين بشأن الوضع في منطقة الساحل على وجه الخصوص، وعدم قبول عضوية الجزائر في مجموعة البريكس في قمة المجموعة عام 2023؟ وقد أدلى المحللون بدلوهم في هذا الموضوع.
فعلى سبيل المثال، جاء في مقال لموقع الدفاع العربي بتاريخ 8 فبراير 2025، أن "توقيع الجزائر مذكرة تعاون في المجال العسكري مع الولايات المتحدة هو استجابة لتنامي النفوذ الروسي في منطقة الساحل، وردا على فتور علاقات الجزائر مع روسيا، التي تجاوزت المصالح الجزائرية في المنطقة، وبدأت تنافس النفوذ الإقليمي للجزائر في منطقة الساحل رغم العلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وموسكو".
وقد تسبب النفوذ الروسي، لاسيما عبر فاغنر في البداية ثم الفيلق الإفريقي الذي خلف فاغنر في السنوات الأخيرة، حسب هذه التحليلات، في تصاعد الانقلابات العسكرية في المنطقة مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو التي راحت تستقوى بهذه القوات وتتحدى الجزائر سياسيا ودبلوماسيا وحتى عسكريا، وقد واجهت الجزائر ذلك بسياسة "ضبط النفس"، رغم أن هذه التطورات تعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الجزائري.
- بوقادوم يضع مذكرة التفاهم العسكري في إطارها الحقيقي
بعد مرور سنة تقريبا عن توقيع "مذكرة التفاهم للتعاون العسكري" بين الجزائر وواشنطن، وفي 20 نوفمبر 2025، شرح سفير الجزائر لدى الولايات المتحدة صبري بوقادوم، في نقاش مع مركز “ستيمسون سنتر” الأمريكي بواشنطن مرتكزات السياسة الخارجية للجزائر وثوابتها التقليدية وتحوّلاتها الجارية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، وتطرق لـهذه المذكرة ووضعها في سياقها الصحيح.
لقد بيّن بوقادوم أن الجزائر كانت من أوائل الدول التي أبرمت معاهدة رسمية مع الولايات المتحدة سنة 1795. (في عهد الدولة الجزائرية في العهد العثماني) وكشف معلومة لم تكن معروفة لدى الرأي العام الأمريكي وحتى الجزائري مفادها "أن هناك جزائريين شاركوا في الحرب الأهلية الأميركية إلى جانب قوات أبراهام لينكولن، وأثبت التاريخ أنهم وقفوا في الجانب الصحيح من التاريخ."
وأبرز بوقادوم أن التعاون بين الجزائر والولايات المتحدة لا يشمل الجانب العسكري والأمني فقط، بل يشمل عدة مجالات أخرى مثل الطاقة التي يتعاون فيها البلدان منذ أكثر من 60 عاما. وبلغ الميزان التجاري حاليا نحو 4 مليار دولار.
ووصف بوقادوم مذكرة التفاهم العسكري بين الجزائر وواشنطن بـ "الاتفاق غير المسبوق". لكنه شدّد في الوقت نفسه على استقلالية القرار الجزائري فالشراكة ليست تنازلاً، بل بحث عن تقاطعات تخدم الطرفين في بيئة إقليمية شديدة الحساسية. ولمّح بوقادوم أن العلاقات مع واشنطن هي علاقات تجارية محضة، حيث قال: “لا توجد أي إيديولوجيا في العلاقة، نحن نشتري تجهيزات عسكرية من هنا، ولا نرى أي مانع في تعميق التعاون طالما هناك احترام متبادل”.
ونفهم من ذلك أن تأثير تلك المذكرة على العلاقات الجزائرية الروسية مستبعد تماما، خاصة أن سفير الجزائر أكد تمسك الجزائر بمبدأ عدم الانحياز، لأنه هو الذي يضمن لها حرية توسيع شراكاتها الدولية دون قيود. وهذا الأمر تتفهمه موسكو والولايات المتحدة أيضا.
مذكرة التعاون العسكري تعمق الثقة، تزيح المخاوف وتعزز الموقع التفاوضي للجزائر
بعد وصول ترامب للحكم مطلع 2020 وتعيين مارك روبيو وزيرا للخارجية تنامت المخاوف في الجزائر، على الأقل في الأوساط الإعلامية، على خلفية أن مارك روبيو عندما كان سيناتورا كان صاحب مبادرة وقع عليها نحو 13 سيناتور أمريكي يطالبون بفرض عقوبات على الجزائر بسبب الإفراط في تسلحها من روسيا.
وهكذا جاء التوقيع على "مذكرة التفاهم للتعاون العسكري" مع الولايات المتحدة، إلى جانب تنويع الشراكة إلى المجال الطاقوي والزراعي وغيرهما، ليزيل تلك المخاوف من جهة، ومن جهة أخرى يعزز ثقة الولايات المتحدة في الجزائر، ويضع الجزائر في موقع تفاوضي مريح مع روسيا، ومع أوروبا لاسيما فرنسا، فإذا كانت أوروبا تعتبر إفريقيا منطقة نفوذها التقليدية وأنها وصية عليها، فإن أوروبا تعتبر منطقة وصاية أمريكية حسب الكثير من المراقبين خاصة في السنوات الأخيرة حيث باتت التبعية الأوروبية لأمريكا واضحة تماما لاسيما في ظل ارتفاع الديون الأوروبية، وعدم القدرة على مواجهة الصين وروسيا دون دعم أمريكي.
ترامب ونظرية كيسنجر :"هناك مجانين في البيت الأبيض"؟
والحقيقة لا يمكن بتاتا الجزم بأن النفوذ الروسي في الساحل هو السبب المباشر أو الرئيسي أو الوحيد لتوقيع مذكرة التفاهم للتعاون العسكري بين الجزائر وواشنطن، ذلك أن السياسة المنتهجة من قبل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قد تكون ساهمت في ذلك، وتتمثل هذه السياسة في انتهاج نظرية هنري كيسنجر المعروفة باسم "نظرية الجنون" التي تقوم على تصرفات المسؤولين الأمريكيين، بشكل تجعل الآخرين يشعرون أن هناك "مجانين في البيت الأبيض" وقد يفعلون أي شيء من أجل تحقيق مصالح أمريكا.
وعلى هذا يمكن تفسير سلوك ترامب مع دول الخليج التي راحت تلبي "النزعة التجارية" لترامب باستثمارات ضخمة تقدر بتريليونات الدولارات، ومع باناما وفنزويلا وأوكرانيا والصين وغيرها من الدول، وكل دولة تعاملت مع ترامب بناء على إدراكها أن "هناك مجانين في البيت الأبيض" ويتعين عليها أن تتحمل حتى تتغير الإدارة الأمريكية الحاكمة.
وفي كل الحالات، ليس مستبعدا أن تكون نظرية "الجنون في البيت الأبيض" حاضرة في تفكير الجزائريين لاسيما بعد "دبلوماسية الهجوم" التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع كل دول العالم، بدء من تحريك القطع العسكرية، مرورا بفرض أو رفع الضرائب على الدول المنافسة كالصين والاتحاد الأوروبي ومعظم دول العالم تقريبا، وصولا إلى التدخل في الأزمات الدولية الراهنة من غزة حتى أوكرانيا مرورا بالسودان عبر مجلس الأمن أو خارجه.
وربما يمكن أن نفسر على أساس هذه النظرية، "ليونة الجزائر" تجاه مشاريع القوانين التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن لاسيما ما تعلق بغزة وبالصحراء الغربية، وقد شرح وزير الخارجية أحمد عطاف الموقف الجزائري بالتفصيل في ندوة صحفية حينها.
وهذا يعني أن الدبلوماسية الجزائرية، استغلت الأوضاع الدولية الراهنة، وتعاملت ببراغماتية متوازنة، تخدم مصلحة الجزائر، ولا تأثر سلبا على علاقاتها التاريخية والإستراتيجية مع الشركاء التقليديين.
مؤشرات التقارب العسكري الجزائري الأمريكي
إن مؤشرات التقارب والتعاون العسكري بين الجزائر والولايات المتحدة ليس وليد التوقيع على "مذكرة التفاهم للتعاون العسكري"، بل هناك عدة مؤشرات مهدت لها وحسنت العلاقات العسكرية بين البلدين.
ففي الفاتح أكتوبر 2020 قام وزير الدفاع الأميركي "مارك اسبير" بزيارة للجزائر أجرى خلالها محادثات مع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وصفت بـ "المثمرة"، وهي الزيارة الأولى من نوعها لوزير دفاع أمريكي للجزائر منذ فبراير 2006 تاريخ زيارة "دونالد رامسفيلد" الذي يعتبر أول وزير دفاع أمريكي يزور الجزائر.
ووفق بيان السفارة الأمريكية، فقد أكد "مارك إسبير" دعم واشنطن لتعزيز التعاون بين البلدين، خاصة في مجال تبادل الخبرات والتدريب العسكري، وتنسيق جهود محاربة الإرهاب في منطقة شمال أفريقيا والساحل، قبل أن يشيد بالدور القيادي الذي تلعبه الجزائر في الحفاظ على أمن المنطقة.
وفي صيف 2024 شارك فوج من القوات البحرية الجزائرية في المناورات البحرية المشتركة “إكسبرس فونيكس” التي نظمتها “أفريكوم” في تونس.
كذلك توالت زيارات قائد أفريكوم الجنرال مارك لانغلي إلى الجزائر، وقد زارها 5 مرات منذ 2020، منها زيارة جانفي 2025 التي تم خلالها توقيع مذكرة التفاهم للتعاون العسكري.
وبين زيارة وزير الدفاع الأمريكي عام 2020 وزيارة لانغلي عام 2025، انعقد الاجتماع الدوري للحوار العسكري المشترك الرفيع المستوى بين الجزائر والولايات المتحدة بواشنطن يوم 4 ديسمبر 2023، استمر 3 أيام. وخلال ذلك الاجتماع تمت مناقشة "مشروع اتفاق التعاون العسكري" بين الجزائر والولايات المتحدة، تمهيداً للتوقيع عليه مطلع العام 2024، لكنه تأخر لمطلع 2025.
وبعد أشهر من توقيع اتفاقية التعاون العسكري، وتحديدا في 14 سبتمبر 2025 حل قائد العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا اللواء أول كلود ك تيودور بالجزائر، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى. وحسب بيان السفارة الأمريكية بالجزائر، فإن اللواء أول تيودور هو المسؤول عن كامل نطاق أنشطة العمليات الخاصة الأمريكية في إفريقيا، ويقود أكثر من1900عسكري أمريكي، وموظف من مختلف الوكالات الحكومية، وعسكريين دوليين يعملون في 19 دولة في إفريقيا وأوروبا، الأمر الذي يعكس أهمية الزيارة.
والتقى اللواء أول كلود ك تيودور يومذاك قائد القوات البرية الجزائرية الفريق مصطفى اسماعيلي. أجرى الطرفان محادثات ثنائية تناولت مجالات الاهتمام المشترك وأشاد الطرفان بالعلاقات الثنائية وبآليات التشاور والتعاون بين البلدين.
وفي خضم هذه الحيوية، حلت المدمرة "شرمان" بالجزائر، كمؤشر آخر على حرص أمريكا على تعزيز التعاون العسكري بين البلدين. وفي خضمها أيضا شارك وفد عسكري جزائري في حفل تنصيب القيادة الجديدة لـ"أفريكوم" بمدينة شتوتغارت الألمانية منتصف أوت 2025، وهي أول مشاركة من نوعها.
أهداف الولايات المتحدة من التقارب العسكري مع الجزائر
إن الإتفاقيات ومذكرات التفاهم مهما كانت ومع من كانت، تخفي في طياتها بعض الأبعاد الاستراتيجية، فما وراء المكتوب، تكمن أهداف أخرى غير معلنة، ومن خلال تحليل الواقع، يمكن استخلاص الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية من وراء تعزيز علاقتها العسكرية مع الجزائر.
إن واشنطن تسعى دائما لإيجاد حليف إفريقي قوي بسبب تراجع حضورها في إفريقيا، حيث انسحبت من آخر قاعدة لها بالنيجر شهر سبتمبر 2024، وتفضل أمريكا الجزائر لامتدادها الجغرافي في العمق الإفريقي، رغم علاقاتها العسكرية الممتازة مع المغرب التي صنفت حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة خارج حلف الناتو.
كذلك تسعى الولايات المتحدة لتطويق النفوذ الروسي، وتراهن من أجل ذلك على تطوير علاقاتها العسكرية مع الجزائر، والارتقاء بها مستقبلا من "مذكرة تعاون" إلى مرحلة "تحالف متين"، وبذلك قد تتمكن من تحييد حليف استراتيجي لموسكو وهو الجزائر.
كما تعمل أمريكا جاهدة لوضع قدم في منطقة جغرافية (الساحل وعموم إفريقيا) غنية بثرواتها المعدنية والمواد النادرة أيضا، والعمل لاحقا على تطويق الحضور الصيني والتركي وغيرهما.
وربما من هنا يمكن أن نفهم تصريحات ويتكوف السابقة، بخصوص العمل على إبرام "اتفاق سلام بين الجزائر والمغرب في عضون 60 يوما" (أي قبل نهاية العام 2025 على أبعد تقدير) (كما شرحناه في مقال سابق بالحراك الإخباري بعنون: صناعة السلام بين الجزائر والمغرب...".)
- رد الفعل الروسي: من صفقة سوخوي إلى زيارة لوكاشينكو
يوضح تحليل مجريات الأمور من قبل المراقبين، أن هناك فعلا، تنافس أمريكي روسي على تمتين العلاقات العسكرية مع الجزائر، والكل يسعى لتحقيق أهدافه الاستراتيجية. لذلك لم تتأخر روسيا في الرد على التقارب العسكري الجزائري الأمريكي، فسارعت إلى تلبية طلبيتها العسكرية في مجال الطيران الحربي، حيث قالت وسائل إعلام عالمية أنها سلمتها في أواخر نوفمبر 2025 مقاتلتين من نوع "سو-57" لتصبح الجزائر أول دولة عربية وإفريقية تمتلك هذا النوع من المقاتلات الشبحية من الجيل الخامس التي تعتبر نظيرا للمقاتلات الأمريكية أف 35.
بعدها قام مدير المصلحة الفدرالية للتعاون العسكري والتقني الروسي ديمتري شوغاييف بزيارة الجزائر يوم 27 نوفمبر 2025، وهي ثاني زيارة له في غضون شهرين، بعد تلك التي قام بها بتاريخ 23 سبتمبر 2025 لبحث واستعراض قضايا التعاون العسكري بين البلدين ومناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك.
وجاءت تلك الزيارة بعد أيام فقط من توقف غواصة(نوفوروسيسك) وقاطرة الإنقاذ البحري(لاكوف غريبيليسكي) التابعتين للأسطولين الروسيين للبحر الأسود والبلطيق بميناء الجزائر العاصمة، في إطار التعاون العسكري بين البلدين.
كذلك، سبق أن زار نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسية يوري فاليائيف الجزائر على رأس وفد رفيع المستوى، منتصف أبريل 2025، وتم استقباله من طرف الأمين العام لوزارة الدفاع الجزائرية محمد الصالح بن بيشة، وتناولت المحادثات مجالات الاهتمام المشترك، على غرار اللجنة المختلطة المكلفة بالتعاون العسكري التقني، موضحاً أن الطرفين أشادا بالعلاقات الثنائية الممتازة، وآليات التشاور والتعاون بين البلدين.
وربما تدخل زيارة رئيس جمهورية بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، في سياق هذا التنافس، كما أوضحته أعلاه، بالنظر لعلاقات التحالف بين موسكو ومينسك.
- روسيا: "الإستراتيجي يعلو على الظرفي"
أصبح جليا التنافس الشرقي الغربي على منطقة الساحل والبحث عن تحالفات وتموقعات في عموم إفريقيا لاسيما في شمالها، ويحمل سعي القوى الكبرى لتعزيز التعاون العسكري مع الجزائر عدة دلالات.
فروسيا في عهد بوتين تنتهج ما أصبح يسمى "سياسة كسر الطوق الأطلسي" في افريقيا، مستغلة "انتفاضة دول إفريقية ضد المستعمر السابق" لاسيما فرنسا، والبحث عن مناطق نفوذ جديدة في افريقيا لاسيما الساحل الأفريقي عبر قوات "فاغنر" سابقاً والفيلق الافريقي حالياً، وكذلك القرن الأفريقي من خلال بناء قواعد عسكرية، وقد تلقت موسكو مطلع ديسمبر 2025 دعوة من حكومة السودان لبناء قاعدة عسكرية في البلاد.
وتعتبر موسكو الجزائر شريكا موثوقا، فهي من أكبر الدول استيرادا للسلاح الروسي، وروسيا لم تبخل عليها بصفقات تسليح نوعية لتحديث أسطولها الجوي بطائرات الجيل الخامس والقاذفات التكتيكية، وأسلحة أخرى لتطوير قدراتها البرية والبحرية.
وعليه فإن موسكو، مهما كانت المتغيرات الظرفية، فإن "الإستراتيجي يعلو على الظرفي" ولا يمكن أن تفرط في علاقات تاريخية واستراتيجية مع الجزائر، وتتخذ موسكو من ذلك قاعدة صلبة للعلاقات الثنائية، خاصة بعد فقدانها عدداً من الحلفاء على غرار سوريا بعد سقوط نظام الأسد أواخر ديسمبر 2024، ومصر التي تعزز علاقتها الأطلسية أكثر فأكثر، إلى جانب تهديد الناتو بالتمدد إلى حدودها.
لذلك لا تجد موسكو بديلا عن التنسيق مع الجزائر فيما يتعلق بملفات الساحل وأفريقيا، وهذا الأمر يفهمه الكرملين ويستوعبه جيدا، إذ لا يمكن بأي حال إبعاد أو تهميش الجزائر من لعب دورها السياسي والأمني في القارة الإفريقية ولاسيما دول الساحل.
- الجزائر محورية في التصور الأمريكي
أما حرص الولايات المتحدة على توطيد علاقاتها مع الجزائر لاسيما العلاقات العسكرية، فيعكس الثقة التي تضعها في الجزائر في مجال التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب وشبكات الجريمة المنظمة في منطقة الساحل، ويكون التقييم الأمريكي للتعاون في هذا المجال خلال السنوات الماضية إيجابيا. وكذلك اقتناعها بالدور الإيجابي الذي تلعبه الجزائر في عموم إفريقيا ولاسيما منطقة الساحل. ويعكس ذلك في التصور الأمريكي، محورية الجزائر، كقوة في افريقيا يمكن التعويل عليها. بدون إغفال الأهداف الاستراتيجية التي شرحتها أعلاه.
- الحكمة والدبلوماسية لإدارة الموقف
في خضم هذا التنافس، تجد الجزائر نفسها في موقف صعب لكنه ممتاز، يحتاج للحكمة والدبلوماسية لإدارته. فهي تعمل من أجل الحفاظ على مستوى من العلاقات المتوازنة والوقوف على مسافة متكافئة بين موسكو والقوى الغربية، في ظل الاستقطاب الحاصل، إذ أكد الرئيس عبد المجيد تبون في مرات عدة أن الجزائر سياسياً وأيديولوجياً بلد غير منحاز، لا إلى واشنطن ولا إلى غيرها.
وشدد من جهته رئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنڨريحة خلال لقاءاته مع قائد "أفريكوم" مايكل لانجلي على أن الجزائر تتشبث بمبدأ عدم الانحياز، وهي غيورة على استقلالها وقرارها السياسي، وتتعامل في إطار خدمة مصالحها مع دول صديقة كثيرة تربطها معها علاقات عسكرية واقتصادية. وهذا "الحياد والإستقلالية" ذكرا بهما وشدّد عليهما أيضا سفير الجزائر لدى الولايات المتحدة صبري بوقادوم.
وعليه يرى المراقبون أن الجزائر لن تفرّط في علاقاتها التاريخية والإستراتيجية مع موسكو، مهما كانت الإغراءات الغربية، وفي ذات الوقت لن تنأى عن تنويع علاقاتها العسكرية مع كل الشركاء الممكنين، بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية. ويدقق بعضهم الموقف بالقول: "أن الجزائر ستحافظ على "التميز" في العلاقات العسكرية مع موسكو، ولن تفرط في "تميز" التعاون الأمني والإستخباراتي مع واشنطن."
ذلك أن الجزائر بحاجة لدعم كل الأطراف الممكنة من أجل استقرار منطقة الساحل التي تعيش فوضى عارمة آخرها حصار العاصمة المالية باماكو من طرف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ومنع وصول الوقود إليها. وقد أحصت تقارير إعلامية بين عامي 2020 و2025 ما لا يقل عن 21 انقلاباً ومحاولة انقلاب في منطقة الساحل، كما سجلت المنطقة بين عامي 2010 و2019 نحو 36 انقلاباً ومحاولة انقلاب.
الأمر الذي يؤثر سلبا على الاستقرار والتنمية وزيادة النفوذ الأجنبي والهجرة والنزوح.
أخبار
2025-12-10
أخبار
2025-12-10
أخبار
2025-12-10
أخبار
2025-12-10
أخبار
2025-12-10
أخبار
2025-12-10